الثلاثاء، 13 يوليو 2010

التدافع الأممي والامبراطوري...مضيق هرمز أنموذجا




التدافع الأممي والإمبراطوري



مضيق هرمز نموذجا





(ملاحظة: البحث قديم لكنها محاولة لمعايرة ووزن الرؤى والتحليل التاريخي فظننت أنه من الأهمية إعادة نشره)

بحث بقلم/ حسن أحمد الدقي



aldiqqi@hotmail.com







مفردات البحث:







أولا: المقدمة



ثانيا: الجواب الكافي والدواء الشافي



ثالثا: التدافع والاصطفاف العقائدي



رابعا: قائمة الإمبراطوريات العالمية وملامح استراتيجياتها



خامسا: مضيق هرمز نموذجا







أولا: المقدمة







إن الحمدلله تعالى والصلاة والسلام على رسول الهدى محمد بن عبدالله وعلى آله وصحبه ومن سار على دربه إلى يوم الدين، أما بعد :







فلا تلبث الأمم على وجه البسيطة حتى تندفع بين الفينة والأخرى إلى نقطة خلاف أو موقع مختلف عليه حتى تكاد تلك النقطة وذلك الموقع أن يختزلا كل الخرائط العقدية والمصالح الاستراتيجية للأمم المختلفة في المكان والزمان، ويمثل مضيق هرمز في منطقة الخليج في هذه اللحظة من تاريخ البشرية أوضح نقاط الكرة الأرضية المرشحة للاحتكاكات الدولية وذلك لما مثله الموقع من ضفاف التداخل التاريخي بين الأديان والثقافات قديما ولما يمثله حديثا من عقدة عالمية في المصالح الاستراتيجية والاقتصادية بل قد لا توجد بقعة في العالم بمثل التعقيد الذي يختزله مضيق هرمز في هذه اللحظة من تاريخ البشرية.



وإن المتأمل والمسترجع لمعادلات التدافع بين الأمم منذ انتهاء مرحلة الحرب الباردة وسقوط إحدى أهم الكتل التي كان العالم يستند إليها في توازنه السياسي والعسكري وهي كتلة الاتحاد السوفيتي لا يمكنه أن يتفاجأ باحمرار الموقف حول مضيق هرمز بل إن الأمر ما هو إلا محصلة لتداخل تلك المعادلات وما هو إلا تأجيل لانفجار متوقع في ظل المعطيات الدولية والاقليمية.



وليسمح لي القاريء الكريم أن أشبه محاولتي في كتابة هذا البحث الموجز براكب الدراجة النارية فيما يسمى ببئر الموت والذي ينبغي أن يحافظ فيه ذلك الراكب على توازنه صعودا وهبوطا وأن يبقى ملتصقا بجدار البئر وبسرعات مختلفة حتى لا يسقط في قعره، وإني لم أضطر إلى هذا الوصف إلا للتباين الهائل بين موقع مضيق هرمز ومساحته الجغرافية المحدودة وبين ما تمثله الكتل الأممية المتنازعة حوله ثم لمحدودية الوضع والوزن الذي يمثله أهل عُمان والإمارات دون إنقاص من فضلهم وتاريخهم وما يمكن أن تحمله الليالى الحبالى لأهل المنطقة نسأل الله الحليم السلامة، ولعل نموذج العراق خير دليل على ما ذهبت إليه فيكفي أن ننظر إلى التشظي والاحتراق الذي أصاب العراق ذلك القطر الذي وقع في زحام وظلال تدافع الأمم من حوله وهو الذي تجري الأنهار فوقه والبترول في باطنه ويعمره ملايين البشر من شماله إلى جنوبه فكيف سيكون وضع المنطقة لا سمح الله في ظل الانفجار الإقليمي أو الدولي القادم؟







ثانيا: الجواب الكافي والدواء الشافي







إنه مهما تفننت العقول البشرية في وصف ما يجري ومهما استعملت من فنون التحليل السياسي وأدواته ومهما اجتهدت لاستطلاع المستقبل فإنها ستقف عاجزة إلا أن ترجع إلى دليل وجود البشرية ومسبار فهم عالم الغيب والشهادة! كتاب الله الكريم المعجز وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ففيهما الجواب الكافي والدواء الشافي وهنا أستأذن القارئ اللبيب لأقف وقفة أولية مستطلعة مع دلالات القرآن الكريم والسنة المطهرة في تدافع الأمم قبل أن نمضي في إعمال العقول وإرهاقها لفهم ما يجري وما سوف يجري.



وقد استوقفني مؤخرا وبحزن شديد فلم فيديو قصير مما يحفل به فضاء الشبكة العنكبوتية وهو يصور قصفا أمريكيا جويا لمسجد في العراق لا يبقي منه شيئا ولا يذر حيث يصرخ الجندي الأمريكي بعد محق المسجد بصيحات الفرح، والعجيب أن استهداف المساجد تكاثر في العراق من قبل الأمريكان، وكنت كثيرا ما يستوقفني قول الله عز وجل في شأن التدافع البشري تلك الآية التي تذكر دور التدافع في حماية المساجد وهو قوله عز وجل: (الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز) 40 الحج. فأقول في نفسي: ولم ترِدُ الصوامع والبيع والصلوات في هذا الموضع مع المساجد؟ ومعلوم أن البيع هي الكنائس؟ ولكن ما حدث في العراق أزال التساؤل فقد هدمت الكنائس أيضا كما هدمت المساجد وإن كان نصيب المساجد مضاعفا، إذن فهذه علامة فارقة من علامات التدافع والزلازل البشرية قبل أن يستقر الموقف مجددا ويتوازن وتلكم العلامة هي هدم الكنائس والمساجد، فالذي نراه ما هو إلا استمرار لموجات التدافع بين الأمم فكما أن الأرض عند تزلزلها تشهد ما يسمى بالزلالزل الارتدادية فكذا الموقف في العالم الآن.







ويبقى السؤال الأساسي: كيف يؤدي التدافع دوره في حفظ المساجد والكنائس؟ وكيف يؤدي التدافع دوره في حفظ مصالح البشر؟ وعدم انتشار الفساد في الأرض؟ وكيف يسترجع أهل الحق والتوحيد دورهم في ظل هذا التدافع ومن ثم موقعهم في التوازن الدولي؟



يقول القرطبي في تفسير قوله عز وجل (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض): أي لولا ما شرعه الله تعالى للأنبياء والمؤمنين من قتل الأعداء، لاستولى أهل الشرك وعطلوا ما بينته أرباب الديانات من مواضع العبادات، ولكنه دفع بأن أوجب القتال ليتفرغ أهل الدين للعبادة.



ويورد القرطبي في موضع آخر ما يلي: أي لولا هذا الدفع لهدم في زمن موسى الكنائس، وفي زمن عيسى الصوامع والبيع، وفي زمن محمد عليه السلام المساجد. لهدمت من هدمت البناء أي نقضته فانهدم. قال ابن عطية : هذا أصوب ما قيل في تأويل الآية



كما ينقل القرطبي في تفسير الآية عن ابن جريج قوله: ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض: دفع المشركين بالمسلمين .(انتهى)



وأعجب ما في حال المسلمين اليوم ما يحدث في العراق من كثرة تهديم المساجد والذي تنطبق عليه الآية انطباقا كاملا وذلك في قوله عز وجل (لهدّمت) بتشديد الدال وفي تفسير الكلمة يقول الطبري: واختلف القراء في قراءة قوله: لهدمت فقرأ ذلك عامة قراء المدينة لهُدِمت خفيفة . وقرأته عامة قراء أهل الكوفة والبصرة لهدّمت بالتشديد بمعنى تكرير الهدم فيها مرة بعد مرة . والتشديد في ذلك أعجب القراءتين إلي ، لأن ذلك من أفعال أهل الكفر.(انتهى)



والموضع الآخر الذي وردت فيه لفظة التدافع وعلاقة ذلك بصلاح الأرض أو فسادها قوله تباركت أسماؤه:(فهزموهم بإذن الله وقتل داوود جالوت وءاته الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين)251 البقرة. حيث ينقل الطبري في تفسيره عن مجاهد في قول الله تعالى ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض يقول: ولولا دفع الله بالبار عن الفاجر ودفعه ببقية أخلاف الناس بعضهم عن بعض لفسدت الأرض بهلاك أهلها.(انتهى)



ولكن الذي لا يشك فيه من واقع المسلمين أن دور المؤمنين في التدافع لا يزال متأخرا وضعيفا فكيف سيدخل المسلمون في دائرة التدافع الكلية وهم على هذه الحال؟ بل إن المسلمين اليوم هم أقرب إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه الامام أحمد في مسنده وابو داود في سننه وابو نعيم في حليته من حديث ثوبان (رضي الله عنه) انه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) :(يوشك ان تتداعى عليكم الامم كما تتداعى الاكلة على قصعتها، قالوا: اومن قلة يارسول الله؟ قال (صلى الله عليه وسلم): بل انتم كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله المهابة من قلوب اعدائكم منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال (صلى الله عليه وسلم): حب الدنيا وكراهية الموت.(انتهى) فهل ستفلح محاولات الحراك التي تعم العالم الإسلامي في تجاوز حالة الغثائية بين المسلمين سواء كان الحراك دعويا أو سياسيا أو جهاديا؟







إن المتأمل والواقف على الآيات والأحاديث التي وردت في شأن التدافع والفتن يمكنه أن يرى ثلاث مراحل أو حالات للتدافع في تاريخ البشرية أول تلك المراحل هي التي يغيب فيها حملة الحق ولا يكون لوزنهم أثر في التدافع بين الأمم وإنما تكون أمم البغي هي المسيطرة والمتوازنة فما يلبث أولئك أن يختلفوا ويتقاتلوا ويهزموا بعضهم بعضا فتنقشع سيطرتهم عن بقاع واسعة من الأرض وبذلك تزول فتنتهم جزئيا كما حدث للاتحاد السوفيتي الملحد الذي أجبر شعوبا مسلمة كثيرة على الإلحاد، وأما المرحلة الثانية فهي أن يتسبب الصراع بين أمم البغي بانكشافات وفراغات تسمح لحملة الحق أن يلجوا من خلالها ويباشروا الجهاد في سبيل الله تعالى وبالتالي يتسبب الطرفان معا من أهل الحق وأهل الباطل في صراعهم بزحزحة قوى البغي والكفر عن مواقع سيطرتها كما حدث مرة أخرى في مثال الجهاد الأفغاني ضد الاتحاد السوفييتي وكما حدث للمحاولات الجهادية التي تخللت عقد التسعينيات من القرن العشرين وما نتج عن ذلك من استقامة أهل فلسطين على المسيرة الجهادية وكما حدث من إضافة جهادية مباركة في العراق وأفغانستان أولئك الذين باشروا ضرب أخطر أعداء المسلمين الحامين لليهود ولدولتهم المسخ وهم الأمريكان والإنجليز فافتتحوا بذلك عهدا جديدا من الصراع في تاريخ المسلمين المعاصر وأما الحالة الثالثة من التدافع عندما يدخل حملة الحق في مسار التدافع بكامل قوتهم وظهورهم على أمم البغي فيؤدي ذلك إلى انقشاع الكفر عن مساحات كبيرة من الأرض أو عن الأرض كلها كما وعدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك في قوله: سيبلغ هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار. وللقارئ الكريم أن يعجب معي مما يقوله علمانيوا المسلمين من المفكرين عندما يصرون على أن فعلة بوش بغزوه للعراق هي أغبى وأكبر خطأ ارتكبته أمريكا في تاريخها الحديث ويغفل هؤلاء عن حقيقة التدافع وسننه التي أخبرنا بها الرب تباركت أسماؤه فهل كان الطغاة والفراعنة يوما ذوي عقل وأحلام؟ حتى نعجب من أفعالهم أو ليس الله الجبار هو الذي يمكر بهم كما مكر بفرعون عندما اتبع موسى عليه السلام ولم ينقذه عقله ولا عقل من معه من الحكماء حتى دخل برجليه بين فكي الماء دون أن يكلف نفسه ويسألها من أوقف لهؤلاء الماء ومن شقه حتى خالف ما استقر عليه نظام الأرض؟ فما لبث أن غرق ومن معه.







وبناء على معطيات التدافع فإن فيما نرى اليوم من غزو لبلاد المسلمين وتهديم للنظم القائمة المستقرة والمتوازنة في الأرض إنما هو بشرى لمستقبل المسلمين وإن كان ظاهر الأمر غير ذلك! فكيف يكون القتل والفتنة بشرى؟ دليل ذلك قوله تعالى: (ألم، غلبت الروم، في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون، في بضع سنين لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون، بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم) 1-5 الروم. فقد أورد القرطبي في تفسيره لهذه الآية نقلا عن ابن عطية في تحديد وجوه الفرح التي تصيب المؤمنين بتلك الغلبة وذلك التدافع قوله: ويشبه أن يعلل ذلك بما يقتضيه النظر من محبة أن يغلب العدو الأصغر لأنه أيسر مؤونة ومتى غلب الأكبر كثر الخوف منه فتأمل هذا المعنى مع ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ترجاه من ظهور دينه وشرع الله الذي بعث به وغلبته على الأمم وإرادة كفار مكة أن يرميه بملك يستأصله ويريحهم منه. (انتهى)



فالذي يظهر أن الصراع المحتدم اليوم على وجه البسيطة فيه نفع كثير للأرض ومن يسكنها وإن كان ظاهره البلاء والفتنة لكن فوائده العملية والنظرية بحاجة لمن يستوعبها ثم يستثمرها الاستثمار الصحيح فهل تشير بوادر النهضة ومسيرة الوعي والصحوة في المسلمين إلى هذا النوع من الاستيعاب والاستثمار؟







ثالثا: التدافع والاصطفاف العقائدي







إن المشاريع الأممية والموجهات التي تتحكم في مشاريع تلكم الأمم هي التي تحرك التدافع والصراع الدولي وهذا أمر استمر طوال التاريخ مهما حاول البعض أن يوهمنا أن الصراع إنما هو في المجال الاقتصادي فقط ولا علاقة للعقائد به!! ومع أهمية المصالح الاقتصادية في توجيه الصراع لكن المظلة العقائدية هي الأساس في توجيه الصراع ومن ثم في توجيه الاصطفاف الأممي أثناء التدافع، وفيما يلي سأحاول أن أستعرض طبيعة الاصطفاف العقائدي الذي يحكم الصراع العالمي اليوم بين الأمم.



إن أول اصطفاف عقائدي بين الأمم هو اصطفاف الأمم النصرانية على خلاف فيما بينها بناء على المذاهب الأساسية الثلاثة التي تهيمن على غالبية الأمم النصرانية وهم البروتستانت والكاثوليك والأرثوذوكس، وتتحكم في هذا الاصطفاف النصراني سنن وقواعد أنبأنا بها العليم الخبير في كتابه الكريم ومنها قوله عز وجل عنهم: (ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون)14المائدة. فهم على عداوة وبغضاء لا تنتهي ولا تنقضي مهما تحسنت العلاقة بينهم لبعض الأوقات وقد رأينا ما فعلت العداوة بينهم في الحرب العالمية الأولى في سعيهم المحموم للسيطرة والتدافع وكذا في الحرب العالمية الثانية، وفي تفسير الآية يقول القرطبي شارحا معناها: قوله تعالى: فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء أي هيجنا. وقيل: ألصقنا بهم مأخوذ من الغراء وهو ما يلصق الشيء بالشيء كالصمغ وشبهه يقال: غري بالشيء يغري غرى بفتح الغين مقصورا وغراء بكسر الغين ممدودا إذا أولع به كأنه التصق به وحكا الرماني: الإغراء تسليط بعضهم على بعض وقيل: الإغراء التحريش واصله اللصوق(انتهى النقل من القرطبي)



ومن السنن التي تحكم الصراع بين المسلمين والنصارى وهم الروم في الاصطلاح الإسلامي أن يكون الصراع سجالا ومستمرا ودائرا في أمم النصارى ودليل ذلك ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم بقوله:" فارس نطحة أو نطحتان ثم يفتحها الله ، ولكن الروم ذات القرون كلما هلك قرن قام قرن آخر ". رواه ابن أبي شيبة في المصنف ونعيم بن حماد في الفتن وابن حجر في المطالب العلية وهو حديث حسن. وقد تتابعت أمم النصارى في توارث العداء للمسلمين من البرتغاليين إلى الأسبان إلى الفرنسيين والإنجليز وأخيرا وليس آخرا الأمريكان.



ومن السنن التي تحكم جميع النصارى على اختلافهم ومعهم اليهود في علاقتهم بالمسلمين ما أخبرنا به العليم الخبير في قوله عز وجل: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا نصير)120البقرة. فقد أثبت الخالق عز وجل استحالة تحقق رضا النصارى واليهود عن المسلمين إلا بمتابعتهم في دينهم فعند ذلك يتحصل رضاهم ومن هنا جاء رضا النصارى الجزئي عن بعض الأنظمة السياسية وذلك بما سمحت به من بناء الكنائس وفسح المجال للتأثير الثقافي والتعليمي للغرب في واقع البلاد الإسلامية.







وأول فئة تأتي في اصطفاف النصارى هو اصطفاف البروتستانت والذي تمثله كل من أمريكا وبريطانيا واستراليا وهو الذي يفسر الحلف الثلاثي بينهم فتجدهم قد أجمعوا على رؤى محددة في كل قضايا الكرة الأرضية ولا ننسى أن بريطانيا تعتبر أمريكا واستراليا امتدادا عقائديا واستراتيجيا لها ولامبراطوريتها المندثرة، وتدخل الأمة اليهودية ضمن هذا الحلف أو الاصطفاف البروتستانتي وما ذلك إلا بسبب التقارب الديني بين مقولات البروتستانت العقائدية وحدبهم وعاطفتهم تجاه اليهود وللتطور العقائدي الذي حدث عند البروتستانت الأمريكان على وجه الخصوص من اعتبار قيام الدولة اليهودية مقدمة لنزول المسيح وانتصار النصارى، كما يأتي التحاق اليهود بهذا الحلف أو المظلة العقائدية لحاجة اليهود للحماية الدائمة حتى يمكن أن تكون لهم دولة وشأن كما أخبرنا الله عز وجل عنهم: (ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون)112 آل عمران. كما أورد الطبري عن قتادة قوله في تفسير الآية: ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس، يقول: إلا بعهد من الله وعهد من الناس.(انتهى) فلا بد لليهود بعد إذن الله عز وجل لهم بالظهور من حبل وتأييد من جهة بشرية ما وهو ما نراه في عالم اليوم من دعم البروتسانت لهم وضمان أمنهم.



ويأتي ثانيا ضمن الاصطفاف النصراني اصطفاف الأمم الكاثوليكية والتي تتقدمهم فرنسا والتحقت بها في العقود الأخيرة ألمانيا مع بقية الدول الكاثوليكية التقليدية كإيطاليا واسبانيا، وقد أدت طبيعة التوزيع العقائدي والاستراتيجي المكاني إلى تمحور أوروبا كأمة ناهضة على أساس الأمم الكاثوليكية في المقام الأول مع تسامح واستيعاب لبقية المذاهب النصرانية التي تشكل أوروبا ولكن هذا الاختلاف بين الكاثوليك والبروتستانت تحمكه المرجعية العقائدية النصرانية وتاريخ الصراع أثناء الحرب العالمية الثانية ودور أمريكا في حماية أوروبا مما يجعل المظلة الأمريكية وصية بشكل أو بآخر على أوروبا ولا يمكن لأوروبا إلا أن تصطف بجانب أمريكا مهما تظاهر حكام فرنسا وألمانيا بالاستقلال عن القرار البريطاني والأمريكي ولا يمكن لأوروبا إلا أن تتبع الامبراطورية الأمريكية وعنجهيتها شاءت أم أبت فأمريكا حاملة علم حماية النصارى الغربيين في الأرض أي البروتستانت والكاثوليك ومرجعيتهم الأساسية ومن أراد الدليل فلينظر إلى الأزمة اللبنانية كنموذج فالقول الفصل فيها لأمريكا لا لراعية لبنان التقليدية وأمها الحنون فرنسا.



ثم يأتي الاصطفاف الأخير ضمن الصف النصراني وهو الاصطفاف الارثوذوكسي أولئك الذين يمثلون تاريخ الكنيسة الشرقية وأتباعها في الأرض وقد تقدمت روسيا بعد أن نفضت عنها الشيوعية لكي تقود أحلام الأرثوذوكس في العالم ولكي تحيي القيصرية من جديد، ويلقي تاريخ الصراع القديم والحديث بين أمم النصارى بظلاله على علاقة الأرثوذكس ببقية المذاهب النصرانية كما حدث في الحرب العالمية الأولى وكما حدث في الحرب العالمية الثانية، كما ألقى التنافس والصراع العالمي بين الاتحاد السوفيتي والدول الغربية طوال نصف قرن بظلاله على علاقة الغرب بروسيا حيث لا يمكن للروس أن ينسوا الدور العالمي الذي لعبه النصارى الغربيون في إسقاط الاتحاد السوفيتي أولا والدور الذي لعبوه في بلع أوروبا الشرقية ثانيا ضمن أوروبا الجديدة وبالتالي فالدور الروسي مرشح للصراع ودعم كل ما ينقض القوى الغربية النصرانية في الأبعاد الاستراتجية وإن كان من خلال الأدوار غير المباشرة وتجنب دخول الصراع والحرب المباشرة مع حلف الناتو مثلما يحدث الآن في الأزمة الإيرانية حيث تتمدد المظلة الروسية بالتدريج لكي تظلل إيران سعيا لاسترداد بعضا من المكانة الدولية السابقة ووصولا إلى المياه الدافئة كما حلم بذلك الدب الروسي قرونا.



وقبل أن أنطلق للاصطفاف الآخر في هذه القائمة يحق لسائل أن يسأل: وأين موقع العلمانيين واللادينيين في مجتمعات النصارى وكيف نضعهم ومتديني النصارى في كفة واحدة؟ أي كيف يتم دمج هؤلاء بهؤلاء؟ والجواب بأن وجود العلمانيين في المجتمعات النصرانية وهي نسبة لا يستهان بها إنما تشكل نسيجا متداخلا ومتكاملا في مجتمعات الكفر النصراني فلا يستطيع طرف أن يلغي وجود الطرف الآخر وتكون المحصلة في هذا المجتمع مزيجا من التداخل لا يمكنه أن يضع الكنيسة والصليب جانبا وإن كان هذا يحدث لبعض الفترات ثم تعود مجتمعات النصارى إلى سماتها الأساسية بكونها نصرانية الأرضية والمعتقد مع احتوائها للعلمانيين واللادينيين كما هو مشاهد في كل مجتمعات ودول النصارى في العالم.







أما الاصطفاف الآخر فهو اصطفاف المشركين من عباد الوثن سواء كان ذلك الوثن (بوذا) إله البوذيين في أمم الشرك في الصين واليابان وتايلاند والكوريتين وغيرها في جنوب شرق آسيا وغربها أو (رام) الإله الهندوسي عند الهنود أو ما إلى ذلك من الأوثان ومع أن هذه الأمم تحكمها استراتيجيات ورؤى متشعبة ومختلفة ولكن الذي يوحد بين مواقفها أو يقربها من بعضها البعض بعد الأبعاد العقائدية هو استفزاز أمم النصارى لها ومحاولة فرض السيطرة والهيمنة علي مقدراتها ومنعها من الاندفاع نحو المستويات العليا من الهيمنة على الأرض وتمثل الصين النموذج الأساسي لهذه الأمم، مع وجود جيوب خطيرة ومهددة لهذا الاصطفاف ومن أهم تلك الجيوب العداء التاريخي والتقليدي بين الكتلة الصينية والكتلة الناهضة الهندية وكذلك العداء التقليدي بين الكتلة الصينية والكتلة اليابانية من جهة أخرى والحروب التي نشبت بينهما في التاريخ ودفع النصارى لهذا العداء قدما بين الجارتين، كما يمثل التقدم الأمريكي تجاه آسيا وفرض سيطرتها على منابع النفط والثروات في آسيا الوسطى أخطر تحد أمام هذه القوى مما يهدد بانفراط الحلف الذي تحاول أمريكا أن تبنيه بينها وبين الهند ويدفع بالهند لكي تلتحق بمحور التحالف الروسي الإيراني في أي حرب عالمية قادمة وبما يهدد سياسة الاحتواء والتحييد التي تنفذها أمريكا تجاه الإمبراطور الصيني.







ثم يأتي اصطفاف المسلمين العقائدي ومكوناته البشرية والجغرافية والتاريخية لكي يمثل أغرب إمبراطورية قادمة ومتوقعة في التاريخ الحديث وما تلك الغرابة إلا مصداقا لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي رواه أبو هريرة في صحيح مسلم: بدأ الإسلام غريبا وسيعود كما بدأ غريبا فطوبى للغرباء.(انتهى) ولعل أحد أوجه الغرابة في الإسلام من قبل ومن بعد هو سرعة الانتشار وقدرة أهله على تجاوز حصار الأعداء وتحقيق أكبر الاختراقات في التاريخ البشري مع محاصرة الأعداء له وتجاوزه لهم، ولولا الإيمان واليقين بظهور دين الإسلام على الدين كله كما أنبأنا العزيز العليم: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) 33 التوبة. ثم لولا تحقق أغلب معايير الترشح للإمبراطوريات العالمية في واقع الأمة المسلمة كواقع مشاهد من جهة وسعي الشعوب المسلمة الحثيث المتمثل في الحراك الدعوي والسياسي والجهادي ولولا التخوف البالغ الذي تبديه أمم الكفر تجاه نهضة المسلمين واستقلالهم والمخاوف من تجديد المسلمين لمسيرتهم لتردد المرء كثيرا في وضع الإمبراطورية المسلمة في قائمة الإمبراطوريات العالمية القائمة أوالمرتقبة.



ومع تلك الآمال في الامبراطورية الإسلامية لكن المهددات في واقع المسلمين حقيقية وخطرة وهي تتمثل في قائمة من المخاطر الداخلية قبل الخارجية وأول تلك المخاطر يتمثل في شتات أصحاب الرؤية والحلم بالإمبراطورية الإسلامية وأعني بهم قيادات العمل الإسلامي وعدم قدرتهم حتى الآن على التقدم برؤية جامعة وشاملة وهو ما يعبر عنه في المصطلح الإسلامي بالاجتهاد والتجديد ذلك الاجتهاد الذي يعالج العصر وشؤونه ثم يأتي عدم التفاف الجماعات الإسلامية على قيادة واحدة كمكمل لهذا التحدي والخطر وثاني تلك الأخطار تفرق الأمة المسلمة على الأساس العرقي والجغرافي أو ما اصطلح عليه في السياسة الحديثة بالأساس الوطني ذلك الأساس الذي يجمع الناس على الطين قبل أن يجمعهم على الدين مما شتت الأمة المسلمة وألقى بالنظم السياسية التي تحكم المسلمين في أحضان بقية الإمبراطوريات تلك الإمبراطوريات التي تحاول من جديد أن تعاود تقسيم الأرض وتغيير خطوط التماس الأممي التي خلفها نظام الحرب الباردة، وزاد من بلاء المسلمين في الربع الأول من قرنهم الخامس عشر الهجري تقدم الأقلية الشيعية بمشروعها ودولتها كمشروع منافس وبديل عن النهضة الإسلامية السنية ذلك المشروع الذي ساعد الصف النصراني الكاثوليكي والبروتستانتي في قيامه متمثلا في فرنسا عندما احتضنت باريس الخميني تمهيدا لقيام دولته وحملته طائرة (الإيرفرانس) إلى طهران منتصرا على الشاه الذي قال عن واشنطن قبل أن يموت: أمريكا هي التي ألقتني قطا ميتا. ومع المحاولات الحثيثة التي قامت بها القيادات السنية وعلماء المسلمين المعاصرين خاصة قيادات الإخوان المسلمين والذين حاولوا استيعاب نهضة الشيعة المعاصرة ضمن النهضة الإسلامية الشاملة ومنع اصطدام المشروع الشيعي مع المشروع السني وعدم استخدام تاريخ الشيعة القديم للحكم على دولتهم الحديثة رغم كل ذلك فإن الشيعة المعاصرين لم يتمكنوا من عبور عقدة العلاقة التاريخية بينهم وبين السنة ودليل ذلك ما آلت إليه الأمور من انكشاف لحقيقة الممارسات الشيعية على الأرض تجاه سنة إيران أولا وتجاه سنة العراق ثانيا مما أدى مؤخرا إلى تحفظ سني عالمي على المشروع الشيعي ومع تسارع وتيرة التدافع بين الأمم واضطرار الجميع للكشف عن أوراقه نظريا وعمليا على الأرض فإن المشروع الشيعي وبكشفه عن رؤاه الحقيقية بات يذكر بنماذج الدول الشيعية في تاريخ المسلمين والتي تمثلت من قبل في دولة العبيديين في شمال إفريقيه ودولة الفاطميين في مصر ودولة الصفويين في بلاد فارس والعراق، مما أوقع المسلمين المعاصرين بين هيمنة إمبراطوريات الكفر وبين نموذج الدولة الشيعية المتحمسة لتصدير مشروعها إلى بقية المسلمين من السنة والساعي إلى إعادة تاريخ الصراع الطائفي في قلب بلاد المسلمين ذلك الصراع الذي لم يترك مجالا إلا للقتل على الهوية والذي تزامن في التاريخ مع كبوة المسلمين وسقوط مقدساتهم كما حدث قبيل عهد صلاح الدين الأيوبي ودولته التي أسقطت الدولة الفاطمية في مصر والتي أخرجت الصليبيين من الشام وفلسطين، ولكن أخطر مهدد للصف الإسلامي بين قائمة المهددات هو توزع الرؤى الإسلامية الداخلية بين الجماعات الإسلامية وعلماء المسملين من السنة وعدم إجماعهم على رؤية موحدة ومشروع محدد يلم شتات المسلمين في الأرض خاصة مع نجاح الدعاية والتأثير الإمبراطوري الأمريكي في بث فكرة ومصطلح الإرهاب وما يقابله من مصطلحات كالإسلام المعتدل أو الوسطي ذلك المصطلح الذي بات يهدد مسطرة الاصطفاف الإسلامي في عمقه فمن أراد رضا النصارى فعليه بالاعتدال ومن رفض رضاهم فهو متطرف وإرهابي!!







ومع ما يهدد الاصطفاف الإسلامي من مهددات لكن المؤشرات الداخلية في بلاد المسلمين تشهد صحوة مباركة وإعادة لترتيب أولويات النهضة ومن أهمها نهوض المسار الجهادي والحراك السياسي والصحوة الإسلامية التي انتظمت كل بلاد المسلمين في العالم وثانيها السقوط التدريجي للنظم السياسية التي اعتمدت على البعد العنصري والسيطرة العسكرية الأمنية والتحالفات الخارجية كأساس لبقائها فقد رأينا خلال العقد المنصرم تردي النظم وخلخلتها في كل من الجزائر واندونيسيا والعراق والصومال وغيرها مما يشير إلى طبيعة مستقبل النظم السياسية والعقائدية التي تحكم المسلمين على اختلاف ألوانها وأخطر ما في الأمر أن هذه النظم لا تملك إلا أن تستجيب للمظلات الدولية التي تظللها سواء تلك المستظلة بمظلة حلف الناتو أو غيرها من المظلات العالمية وعليه فإن أي صراع أودمار سوف يلحق بهذه المظلات العالمية فلن تكون النظم السياسية في العالم الإسلامي بمنأى عنه كما رأينا في العراق وأفغانستان وغيرها.







رابعا: قائمة الإمبراطوريات العالمية وملامح استراتيجياتها







بعد الوقفة الموجزة مع ألوان الاصطفاف العقائدي للأمم في هذه اللحظة من تاريخ البشرية ونظرا لما يمر به الموقف الدولي الحالي من محاولات إعادة التشكيل وإعادة التوازن للنظام الدولي فيمكننا أن نقف على قائمة معادلات الإمبراطوريات العالمية في وقتنا الحاضر سواء تلك المعترف بوجودها وهيمنتها أو تلك التي على قائمة الانتظار وهي تتحفز للتعبير عن وجودها وتاريخها ويستهدف هذا الجزء من البحث تحذير المسملين وتسليط الضوء على الصورة الكلية لتدافع الأمم في أيامنا هذه ومستقبل التحدي الذي يواجه الأمة المسلمة حتى لا ينام المسلمون على مصطلحات وأحلام التنمية الاقتصادية والسلم الدولي والتي لا تنصرف إلا في أسواق المسلمين وعلى أراضيهم وحرماتهم.







قائمة الإمبراطوريات العالمية:







الإمبراطور الأمريكي



الإمبراطور الأوروبي



الإمبراطور الروسي



الإمبراطور الصيني



الإمبراطور الهندي



الإمبراطور الفارسي



الإمبراطور الإسلامي







وقد يتساءل متسائل: مالذي جعل القائمة السابقة قائمة إمبراطوريات حقيقية وفعلية؟ فمن المؤكد أن الناس يختلفون في الاعتبارات والمعايير التي تجعل من مفردات القائمة السابقة قائمة إمبراطوريات عالمية تدخل ضمن المنافسة الدولية للهيمنة وبث النفوذ، وللخروج من جدلية الخلاف حول تلك الاعتبارات فقد اعتمدت المعايير التالية في اعتبار ميزان ومقياس معادلة الإمبراطورية في تلك القائمة مما يلزم تحقق وتوافر هذه المعايير مجتمعة في الإمبراطورية المعنية حتى يمكن إلحاقها بالقائمة وأما المعايير فهي:







1- المعيار العقائدي المتطلع للهيمنة والظهور على بقية الأمم



2- المعيار التاريخي الذي يجعل الإمبراطورية الحديثة امتدادا لإمبراطورية أقدم



3- المعيار الاقتصادي والذي يجعل الإمبراطورية قادرة على النمو والمنافسة



4- المعيار الجغرافي والذي يتيح للإمبراطورية تمددا وهيمنة عالمية



5- المعيار السكاني والبشري والذي يتناغم مع متطلبات الإمبراطورية وتوسعها



6- المعيار العلمي والتقني في مجال السلاح والعلوم والصناعة وخاصة امتلاك السلاح النووي.







أولا : الإمبراطور الأمريكي



إن النظريات والبحوث الاستراتيجية التي خرجت من قبل المفكرين الاستراتيجيين في أمريكا في ثمانينيات القرن العشرين والتي استشرفت سقوط الاتحاد السوفيتي قد مهدت لولادة الإمبراطورية الأمريكية وصعود النجم الأمريكي وبالتالي سد الفراغ الذي سينجم عن سقوط المارد الشيوعي وقد استندت تلك النظريات على المعطيات الداخلية في أمريكا والقدرات العلمية والاقتصادية لديها وكذا على معطيات النظام الدولي وهكذا مضى الأمريكان في وضع خطوطهم العريضة والتفصيلية في مرحلة لاحقة لتنفيذ تلك الاستراتيجية ولذا فقد شاهد العالم وهو يحبس أنفاسه أولى المبادرات لتنفيذ معادلة الإمبراطور الأمريكي أو الشرطي الدولي في ضرب العراق واستعراض العضلات العسكرية الإمبراطورية عام 1991م ثم توالت الضربات الجوية والتدخلات العسكرية في مناطق مختلفة من العالم كالسودان وصربيا والصومال سواء بغطاء شكلي من الأمم المتحدة أو بدونه.



ومع استثمار أمريكا لعقد التسعينيات من القرن العشرين لتحديد ملامح إمبراطوريتها والذي تمثل في استثمار أزمات العالم السياسية والاقتصادية بالدرجة الأولى لزيادة فاعلية أدائها العالمي المهيمن لكن بقية الأباطرة لم يكونوا مستعدين استعدادا نهائيا للقبول بالهيمنة الأمريكية وكانوا يتفاعلون مع التوسع الأمريكي تفاعل المضطر أوالمتربص حتى جاءت 11 سبتمبر لكي تكون نقطة الانتقال الفاصلة في التحول عند الأمريكان من استخدام الفعاليات المؤسسية السياسية والاقتصادية والتكنلوجية في العولمة إلى استخدام الفعاليات العسكرية والأمنية لفرض الواقع الإمبراطوري الجديد في العالم.







الملامح الأساسية في استراتيجية الإمبراطور الأمريكي:







1- إن أول ملامح استراتيجية الإمبراطور الأمريكي تتمثل في اعتمادها على خطوط عريضة لعقيدة عسكرية تتناسب وأهداف الإمبراطورية العالمية والقطب الأوحد وقد تمثلت تلك الخطوط في نمو العتاد العسكري الذي لا يمكن أن يُنافس في العدد والفاعلية خاصة في الجوانب التقنية كما تمثلت في امكانية القيام بأكثر من حرب في المرة الواحدة وتمثل في استخدام التفوق الجوي والصاروخي وتمثلت في القيام بالضربات والحروب الاستباقية والتي تحجم من قدرة الخصوم على الرد والتي توصل القوات الأمريكية إلى تمركز استراتيجي على مستوى الأرض كلها وبالقرب من الأعداء الحقيقيين أو المحتملين.



2- تقوم الرؤية الأمريكية على حق تمثيل العالم الغربي النصراني (المتحضر) وهي حصريا أمريكا وأوربا واستراليا وإحدى أهم غنائم الحرب العالمية الثانية وهي اليابان وبعض الذيول التابعة كتايوان وكوريا الجنوبية وغيرها وقد قادت أمريكا هذا العالم (المتحضر) بعدة مظلات دولية منها العسكرية كالناتو والاقتصادية كاتفاقية التجارة الدولية واستخدام جمعية الأمم المتحدة لفرض الرؤى والتصورات وبالتالي تحريك البرامج على الأرض.



3- حرصت أمريكا على عدم الوقوع ثانية في أسر مرحلة الحرب الباردة وتعدد الأقطاب الدولية ودفعت باتجاه نظام القطب الواحد والأقطاب الثانوية، وهي تسعى لذلك عبر إعادة تصميم النظام الدولي وعبر إضعاف الأمم المتحدة ومجلس الأمن من خلال فرض استراتجيتها العالمية ووضعها قيد التنفيذ بشكل متتابع ومدروس وترك الآخرين أمام الأمر الواقع فإذا تعقدت الأمور تظاهرت بالتفاهم الدولي واحترام الأقطاب الكبيرة فإذا سارت الأمور باتجاه رؤيتها عادت لعادتها وهكذا، وكان من المفاصل الأساسية لتجاوز الأمم المتحدة قيامها بضرب العراق عام 2003 دون غطاء دولي.



4- عملت أمريكا على ضرب الصغار والضعاف في العالم لترهيب الكبار ولكي يقبل البشر بهمينتها ودورها الشرطي في الكرة الأرضية ووضفت الرهاب من مستقبل المسلمين ونهضتهم كعامل أساسي في قبول العالم بضرب أفغانستان والعراق والصومال والدور قادم على سوريا والسودان واليمن وغيرها.



5- سعت أمريكا إلى احتواء القطب العالمي المهدد للهيمنة الأمريكية وهو الإمبراطور الصيني عبر عدة محاور كان من أهمها مساعدته للخروج من أسر العقيدة الشيوعية والتخفيف من حالة العداء والمواجهة وعبر مسك خيوط أزمات الإمبراطور الداخلية لتحريكها وقت الحاجة وعبر استخدام تايوان واليابان لتنفيذ الاستراتيجية وعبر الحصار التقني لما يسمى بالتكنلوجيا الحساسة وعبر الوجود العسكري على تخومه مؤخرا.



6- حرصت أمريكا على مسك أزمات العالم بيديها والاقتراب من كل الأزمات عالمية كانت أو إقليمية بل وصناعة الأزمات في المواقع الاستراتيجية التي لا توجد بها أزمات كما حدث في أزمة ميدان (تيان امين) في الصين وأزمة التبت وهي بذلك تحافظ على صنعة ورثتها من بريطانيا العظمى وتسمح لها بتبريد أو تسخين الأزمات متى شاءت.



7- يعتبر الوكلاء الإقليميون من أهم الأدوات الاستراتيجية التي يعتمد عليها الإمبراطور الأمريكي في دفع هيمنته الدولية قدما سواء الوكلاء الكلاسيكيون أو الوكلاء الجدد كإثيوبيا في القرن الإفريقي مما سمح بمرونة عالية للأداء الأمريكي للتدخل في إعادة صناعة النظام الدولي ذو القطب الواحد.



8- سعت أمريكا لملء الفراغ الذي نشأ عن سقوط الاتحاد السوفيتي وهو ملء متعدد الوجوه في أبعاده السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية وكان أوضح تطبيق لهذه السياسة الدفع باتجاه الوجود العسكري على تخوم الصين وروسيا معا في آسيا الوسطى مما يعطي لأمريكا ارتكازا يسمح بالعمل في كل الاتجاهات.



9- يعتبر الشرق الأوسط بما فيه من مقدرات اقتصادية خاصة النفط والغاز فضاء حيويا لأمريكا لا تقبل المنافسة فيه إلا بما يخدم استراتجيتها عبر السماح للإمبراطور الأوروبي بالتحرك فيه تحت المظلة الأمريكية في المجال السياسي أو الاقتصادي، كما تعتبر أمريكا أمن إسرائيل ركنا أساسيا في تلك الاستراتيجية بما يعتبر امتداد للسياسة الغربية النصرانية يوم تم تثبيت إسرائيل بيد بريطانيا ولاحقا عبر الأمم المتحدة، وبناء على ذلك فلا مكان لمصالح شعوب وحكومات المنطقة إلا بما يخدم الرؤية الأمريكية.



10- وتعتبر السيطرة الأمريكية على الشرق الأوسط اقتصادية كانت أو سياسية أو عسكرية إحدى أهم ركائز السيطرة والتمدد العالمي وبناء على هذا المرتكز فقد مدت أمريكا أقدامها لكي تصل إلى آسيا الوسطى وأجزاء من إفريقيا وخاصة تلك التي تمتلك في باطنها مخزونات واعدة من النفط والغاز.



11- تعتبر العولمة إحدى أهم الأدوات العقائدية والفكرية للسيطرة العالمية وفرض النفوذ الأمريكي والتي تتكون من خليط ثقافي وسياسي وتقني تبشر به أمريكا العالم بحضارة غير فاضلة وهذه الممارسة تذكر بتاريخ الهيمنة والنفوذ الإمبراطوري في تاريخ البشرية سواء كان التاريخ التتري الغابر أو التاريخ الشيوعي المندثر.



12- يعتبر التفوق التقني الصناعي والتكنولوجيا الحساسة في جميع المجالات العلمية أحد مجالات الاستراتيجية الأمريكية وركائزها الأساسية مما يعطي فضاء واسعا للصراع والتجاذب الدولي في هذا المجال خاصة في التكنلوجيا النووية وبدائل الطاقة وبحوث الأسلحة البيلوجية وغيرها.



13- كما تعتبر الهيمنة الأمريكية على التوجهات الغربية النصرانية في العالم خاصة أوروبا أحد أركان الاستراتيجية الأمريكية سواء باستحقاقاتها القديمة منذ الحرب العالمية الثانية أو بقيادتها لحلف الناتو.



14- كما تعتبر الحساسية الأمريكية البالغة من أي نهضة أو استقلال حقيقي للأمة المسلمة إحدي ركائز الاستراتيجية الأمريكية مما يجعل من التخويف من الخطر الإسلامي أحد أهم معالم السياسة الأمريكية الخارجية وعليه فقد ترتب المكر الأمريكي على منع التغيير الإسلامي الحقيقي سواء تم ذلك باستخدام الديموقراطية أو غيرها في التغيير، ولمواجهة التحدي الإسلامي فقد فتح الأمريكان فرجة في استراتجيتهم تقضي بقبول الشارات الإسلامية إذا ارتضى حاملوها بالهيمنة الكاملة للتوجهات الأمريكية في المنطقة كما حصل من تغيير سياسي في تركيا بقبول حزب أردوغان في النظام السياسي الأتاتوركي والذي استقبل أولمرت مؤخرا بينما الأخير يمضي في خططه بهدم المسجد الأقصى!!







ثانيا : الإمبراطور الأوروبي







لم تنتعش الآمال الأوروبية في الوحدة إلا في ظل الفراغ الدولي والتخوفات من التحولات الدولية بعد سقوط الاتحاد السوفييتي فلم يجد الحلم الأوروبي طريقه للتطبيق إلا في نهاية عام 1993 عندما دخلت معاهدة (ماسترخت) حيز التنفيذ ولم تصوت أوروبا لالتحاق دول أوروربا الشرقية بها إلا في عام 1997م بعد أن تضعضعت أوروبا الشرقية بحرب البلقان في يوغسلافيا السابقة عندها تجرأت دول أوروبا الشرقية على الخروج من هيمنة الدب الروسي، ومع القوة الاقتصادية التي تمثلها أوروبا فإنها تبقى أسيرة لمظلة الناتو العسكرية وبالتالي الوصاية الأمريكية التي لا تتيح افتراقا كبيرا في المواقف الاستراتيجية عن أمريكا إلا إذا قررت أوروبا أن تنحاز لكاثوليكتها الغالبة وبالتالي يتجدد الصراع بين أكبر الكتل النصرانية في العالم. وتتميز معادلة الإمبراطور الأوروبي بحقيقة هامة جدا وهي عدم إجماع أطرافها على رؤية واحدة فلا يزال التنازع المصلحي والاستراتيجي يلقي بظلاله على تلك المعادلة بين القيادة الفرنسية والألمانية من جهة وبين بريطانيا من جهة أخرى لكن الذي يجمع أوروبا هو إجماعها على المصالح الاقتصادية دون المصالح السياسية.







الملامح الأساسية في استراتيجية الإمبراطور الأوروبي:







1- أول ما يميز الاستراتيجية الأوروبية أن تأخذ أوروبا موقعها المميز بين عمالقة العالم وأن تستثمر الإرث التاريخي لأوروبا كونها احتضنت أهم قوى العالم القديم كبريطانيا وفرنسا وأن تنزع من مستقبلها أسباب الصراع الذي ظل يطارد أوروبا لقرون سواء في التنازع الديني أو الاقتصادي وقد أدى سقوط الاتحاد السوفييتي واختفاء التهديد الذي كان يمثله لاوروبا من جهة ولدخول الكرة الأرضية في فراغ الأقطاب الدولية الكبرى من جهة أخرى أدى كل ذلك إلى استعجال أوروبا لكي تحصن حدودها وتحافظ على إرثها الاستعماري القديم في العالم.



2- بقيت السمة النصرانية أهم ملامح الاستراتيجية الأوروبية مع تعديلات اقتضتها حدود العملاق الأوروبي ونزع أسباب التوتر في العلاقات الأوروبية والمتمثلة في المذاهب النصرانية الثلاثة الأساسية، ولم يقف الأمر عند استيعاب الكاثوليك للبروتستانت وإنما امتد الاستعداد لكي يستوعب الأرثوذوكس أيضا في النسيج الأوروبي، ولكن ذلك لم يمنع من استثمار الكاثوليك لأغلبية وجودهم في أوروبا لتلوين الساحة الأوروبية باللون الكاثوليكي.



3- تعتمد أوروبا على تعملقها الاقتصادي ونمو هذا العملاق للحفاظ على مصالحها أمام بقية العمالقة وهو ما يهدد بدخول العلاقات الدولية بين أوروبا وبقية الإمبراطوريات في مسارات حرجة بل وصراع قد يطال الشريك الأمريكي ذاته خاصة إذا نظرنا إلى حاجة العملاق الأوروبي إلى مصادر الطاقة وإلى أسواق العالم لتوزيع منتجاته.



4- إبقاء الحبل السري الأمريكي موصولا مع أوروبا مع التضجر منه ومحاولة الفكاك الخجولة بين الحين والآخر وقد تمثل ذلك الحبل في مظلة الناتو العسكرية وفي احترام النفوذ الأمريكي والاستراتيجية الأمريكية في العالم مهما بان من تخبطها أو فشلها وفي عدم السماح بالحرب الاقتصادية أن تصل إلى إلحاق الضرر البين بالاقتصاد الأمريكي.



5- استغلال التباين في مناسيب الاقتصاد بين أجزاء أوروبا الغنية وأوروبا الفقيرة لإحداث تكامل اقتصادي في الثروات وفي الأيدي العاملة وفي الانتاج وغيرها مما يسمح بمواصلة النمو الاقتصادي العالمي دون الوقوع في شرك الضغوط العالمية والمنافسة المتصاعدة بين عمالقة الاقتصاد في العالم.



6- عدم التخلي عن فضاءات النفوذ السياسية والاقتصادية والثقافية التي خلفها الاستعمار الأوروبي في العالم خاصة الفرنسية منها لكن دون وصول المواقف إلى حد الاصطدام بالقطب الواحد الآخذ بالنمو في العالم وهو القطب الأمريكي مع محاولة تحصيل فضاءات جديدة في ظل الصراع العالمي المتجدد وهو الذي يفسر قبول الدول الأوروبية بدفع بعض جنودها خلف الأداء العسكري الأمريكي الآخذ بالتمدد في العالم.



7- الخوف من روسيا وتاريخها سمة أخرى من ملامح الاستراتيجية الأوروبية وإن كان هذا الخوف قد تحول من إطار المواجهة إلى إطار الاحتواء الاقتصادي والسياسي مع إبقاء روسيا تحت ضغوط الخراب الاقتصادي ونزع ما يمكن نزعه من مخلفات التمدد الروسي القديم والعمل مع أمريكا جنبا إلى جنب لضمان عدم عودة روسيا إلى دورها القطبي العالمي.



8- مع بقاء الكتل الكبرى في أوروبا كدول كاملة السيادة وكاملة الاستقلال ومع الرفض الذي واجهه الدستور الأوروبي فإن مستقبل أوروبا سيبقى رهنا للتجاذبات بين كتله الكبرى ولا توجد مؤشرات إلى امكانية تحوله إلى كيان فدرالي في المدى المنظور فهي سوق أوروبية مشتركة في المقام الأول وستبقى كذلك.



9- الخوف من النمو الإسلامي هي العقدة المشتركة التي تجمع الأوروبيين وتقربهم كذلك من الأمريكيين وستبقى العقلية الأوروبية أسيرة للتاريخ وللجغرافيا ومع ازدياد دخول أعداد مضطردة من الأوربيين في الإسلام ونمو أعداد المهاجرين من المسلمين في أوروبا فإن إنغلاق أوروبا مرشح للاصطفاف العقائدي النصراني في تعاملهم مع العالم الإسلامي.







ثالثا : الإمبراطور الروسي







مثلما بقيت قباب كنيسة القديس بازل الحمراء والخضراء مطلة على الميدان الأحمر الشهير في أطراف كاتدرائية الكرملن شاهدة على تاريخ القيصر إيفان الرهيب الذي أمر ببنائها احتفالا بانتصاره على التتار عام 1552م فإن تلك القباب سبتقى شاهدة أيضا على تاريخ القيصرية الروسية والمرجعية الأرثوذكسية والتي لن تتغير بالرغم مما حاولته الشيوعية الروسية من طمس تلك المعالم الدينية للأرثوذوكس، وبالرغم من وجود عاصمة الروس في أقصى أطراف الأرض الشمالية المتجمدة لكنها ستبقى حاضرة في الصراع على أطراف أوروبا كما هو الحال على الحدود الآسيوية من منغوليا إلى إيران، فإن روسيا اليوم تختزل تاريخ القيصرية الروسية والشيوعية العالمية معا.







الملامح الأساسية في استراتيجية الإمبراطور الروسي:







1- ستبقى آثار السقوط العالمي المدوي للاتحاد السوفييتي متعلقة بروسيا لفترة قادمة وذلك للآثار الاقتصادية والسياسية والنفسية التي خلفها السقوط والتي يصعب معالجتها على المدى المنظور مما يجعل حماسة روسيا للدخول كمنافس حقيقي لبقية الإمبراطوريات متعذر إلا من خلال شركاء آخرين وعدم الانفراد بالمواجهة خاصة مع استمرار سياسة الحصار والتفتيت التي يتبعها الإمبراطور الأمريكي والأوروبي تجاه روسيا.



2- تستلهم روسيا تاريخها القيصري والأرثوذوكسي كمسار لعلاج الانهيار الذي أصابها بسقوط الاتحاد السوفييتي مما يرشحها للعودة إلى مربع الصراع النصراني الداخلي مع بقية أمم النصارى بل هي تمارس دور الراعي العالمي للارثوذوكس في أي مكان من العالم فهي ترعى الصرب كما ترعى اليونان وغيرهم، ويرشح هذا الدور الأرثوذوكسي العالمي وبقوة لانتهاك حرمات المسلمين والتعدي عليهم سواء كان المسلمون من الواقعين تحت سيطرتها أم هم من خارج السيطرة كما حصل في تاريخها القديم وصراعها مع الخلافة العثمانية، وهذا ما سوف يؤثر في الاصطفافات والتدافع العقائدي القادم.



3- سوف تبقى روسيا على مسافة متساوية من العملاق التقليدي الصيني في المنطقة وكذا من العملاق الناشيء وهي الهند مع امكانية التقدم بحلف عاجل مع أحدهما في حال صعد الأمريكان من محاولات الهيمنة والسيطرة في المنطقة وتعتبر الهند العملاق الأقرب لروسيا.



4- ستبقي روسيا على حواجز صد للهيمنة الغربية على حدودها وستضطر للدفاع أو الدعم الكبير لتلك الحواجز في حال تم اختراقها كما هو الحال من محاولات أمريكا لضعضعة حاجز الصد الإيراني.



5- سوف تعتمد روسيا على سياسة تغذية جميع الصراعات التي يتورط فيها العمالقة الآخرون خاصة التغذية بالسلاح عن طريق البيع التجاري مما يرشح بؤر تلك الصراعات للاستمرار ولاستنزاف تلك الأطراف خاصة العمالقة منها.



6- ستبقى محاولات المحق للهوية الإسلامية تلك التي مارسها الروس طوال القرن العشرين الميلادي حاضرة في قلوب وأذهان الشعوب المسلمة التي اكتوت بنارها ومع تجدد بقاء المقاومة الشيشانية كنموذج يذكر بممارسات الروس في التاريخ فإن أراضي مسلمي القوقاز وآسيا الوسطى مرشحة وبقوة للتحولات والصراع.







رابعا : الإمبراطور الصيني







تعبتر الصين الديناصور الذي تمكن من حماية نفسه من الانقراض والذي نجح في عبور مرحلة الحرب الباردة بدون خسائر تذكر واستطاع التكيف مع ما بعد تلك المرحلة بكل أبعادها الاقتصادية والتحولات الكبرى التي لفت العالم كما استطاع أن يوقف ويقلل من محاولات التأثير الغربي لإضعافه أو إسقاطه ولعل أخطر المراحل والعقد التي تمكن الإمبراطور الصيني الحديث من عبورها هو التعامل مع التحولات الثقافية والعقدية في تاريخ الأمم خاصة في التحول من الشيوعية المنغلقة إلى شيء من الرأسمالية والانفتاح والمزاوجة بين الأمرين دون أن يفقد السيطرة على مسيرته الكلية، ومع هذه الثقة الظاهرة في مسيرة الصين الحديثة فلا يزال الغرب يراهن على ضرورة تعرض العملاق الصيني إلى تزلزل السقوط أو التشظي لأسباب داخلية وخارجية خاصة في ظل خليط العقائد من كونفوشسيه وبوذية وبقية ماركسية والأديان الأخرى وخليط الأعراق ومسيرة القمع التي تحاول السيطرة على مليار من البشر في وطن واحد.







الملامح الأساسية في استراتيجية الإمبراطور الصيني:







1- تعتمد الاستراتيجية الصينية على الكتلةالبشرية المميزة والتي تتجاوز المليار نسمة والمنصهرة في جغرافية واحدة كما تعتمد على الإرث الشيوعي الصيني في تنظيم وإدارة هذه الكتلة والقدرة الإنتاجية لهذه الكتلة.



2- تعتمد الاستراتيجية الصينية على وضع الشعب الصيني في مسار التحدي الاقتصادي والتكنلوجي العالمي لضبط مسيرة الشعب وإشغاله وللحفاظ على الموقع الإمبراطوري المميز للصين في آن واحد.



3- سارعت الصين إلى التخفيف من أثقال الإرث الشيوعي خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي خوفا من حدوث الانفجارات الداخلية الرافضة للهيمنة الشيوعية الكلية وبدأت بإدخال كثير من الإصلاحات والتحسينات التي تهدف إلى تنفيس الوضع الداخلي وهذا يقتضي بدوره فتح الباب لأتباع الديانات الكبرى في الصين لممارسة دورها ونشاطها بين أتباعها ولكن الأمر يجري بمحدودية نتيجة للحصار الشيوعي المستمر خاصة ضد المسلمين مما يهدد الصين بثورات وانشطارات.



4- ظلت الصين متيقظة لتحركات الإمبراطوريات الأخرى المنافسة سواء البعيدة منها كأمريكا وأوربا والتي زاحمتها على حدودها مؤخرا أو القريبة كالهند وروسيا مع اعتبار التحدي النصراني الغربي هو أخطر التحديات للصين مما جعل الإمبراطور الصيني يمسك بمجموعة من القضايا والأوراق العالمية والإقليمية بيديه سواء في كوريا الشمالية أو علاقته مع باكستان أو صراعه في الأم المتحدة مع بقية الأباطرة على القضايا الدولية أو تصديره للسلاح حسب ما تقتضيه المصلحة الصينية العليا.



5- لم تسلم الصين ولن تسلم بمحاولة أمريكا فرض استراتجيتها بتغيير نظام القطبية الدولية إلى نظام القطب الواحد وبالتالي فهي تسعى لتوقيف هذه المحاولة عبر عدة محاور من أهمها إعادة بناء نظام التحالفات الدولية مع امكانية العمل على زيادة توريط أمريكا في النزاعات الدولية والإقليمية.



6- تسابق الصين الزمن لاستثمار قدرتها على المنافسة العالمية في مجال الانتاج الاقتصادي والتقني لكي تصل إلى المستوى الذي لا يمكن هزيمتها فيه وحينئذ تتمكن من إملاء شروطها في المسارات الأخرى الاستراتجية.



7- ستبقى الاستراتيجية الصينية مشدودة إلى هاجس التفتت القومي والعرقي وذهاب الهيمنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني الحاكم وهو ما يهدد باستخدام القوة لمواجهة أي حراك تحرري أو استقلالي في جنبات الصين خاصة تجاه ما تعانيه الصين من تفاوت طبقي رهيب وازدياد الفجوة بين الأغنياء والفقراء نتيجة لتسلل النظام الرأسمالي المجحف بالأكثرية الفقيرة المعدمة.



8- تحتفظ الصين على الدوام بهاجس النمو الإسلامي الداخلي كبقية الأباطرة في العالم وذلك للأعداد الهائلة من المسلمين على أرضها وللإرث الذي تحمله من اضطهاد المسلمين باسم الشيوعية الصينية والعهد الماوي.







خامسا : الإمبراطور الهندي







ظل التاريخ الهندوسي وطوال القرون أسيرا للإمبراطوريات الأخرى المهيمنة على أرضه فبعد الحكم الإسلامي لملوك المغول والذي أسقطته الإمبراطورية البريطانية في آخر الأمر تحول الهندوس لخدم مخلصين للإمبراطورية العجوز التي وظفت إخلاصهم إلى درجة الموت في سبيل التاج البريطاني ثم لما حان وقت التحول البريطاني عن الهند قام البريطانيون بإعداد الهندوس لكي يتسلموا راية الحكم عبر عدة محاور كان من أهمها بعثرة المسلمين على قوميات ثلاث ودعم القيادات الهندوسية ونفخ الروح في الوطنية الهندية وكان من نتائج ذلك أن قاد غاندي مقاومة سلمية لا تؤذي الإنجليز حتى استلم الهندوس حكم شبه القارة الهندية، ثم تطور الدعم البروتستانتي والكاثوليكي واليهودي لمستقبل الإمبراطور الهندوسي عندما أسس الإنجليز عام 1944 هيئة الطاقة الذرية الهندية قبل استقلال الهند الفعلي بسنتين! ثم كان التعاون الفرنسي الهندي في بناء المفاعلات النووية ثم التعاون الإسرائيلي الهندي الذي نتج عنه تفجير خمس قنابل نووية دفعة واحدة عام 1998 حيث تؤكد أخبار المطلعين أن اثنتين من تلكم التجارب كانتا لصالح إسرائيل.







الملامح الأساسية في استراتيجية الإمبراطور الهندي:







1- يشكل الإرث الهندوسي العقائدي والتاريخ الهندي أحد أهم ركائز الرؤية الهندية المعاصرة والاستراتيجية الهندية ولذا كانت تسمية الصواريخ العابرة التي أنتجتها الهند بأسماء آلهة هندوسية منها بريثفي وآجني.



2- كما يشكل النجاح النصراني التبشيري في الهند أحد أهم عوامل التعاون بين النصارى والهندوس في العالم لتثبيت الوجود النصراني فيها ويفهم الهندوس هذا الباعث جيدا ويستغلونه لصالح الأكثرية الهندوسية.



3- يشكل التسابق الإمبراطوري من قبل الأمريكان والروس والأوربيين وفي ظلهم اليهود للفوز بالعلاقات المميزة مع الإمبراطور الهندي أحد أهم الأسباب التي قادت الهند للتعملق ولعل من أسباب هذا التسابق صناعة قطب جديد يؤدي دور التوازن أو التمحور في حال نشوب النزاعات مع ما يمكن أن يلعبه هذا العملاق الوثني ضد الأمة المسلمة الناشئة.



4- يعتبر المحور الصيني الباكستاني أحد أهم الأعداء التقليديين للهند كما تعتبر الحدود الهندية الباكستانية أحد أهم مواقع التوتر في العالم والتي يمكن أن تنفجر لإعادة صناعة التوازنات الدولية في النظام الدولي الجديد وإن كان توازن الرعب النووي بين الجارتين قد حد من سهولة الانهيار في مسلسل التصادم.



5- يعتبر العداء التقليدي الذي يجمع الهند وإيران تجاه باكستان عاملا حاسما للتمحور وما يمكن أن تلعبه الهند من دور في الصراع الأمريكي الإيراني ويستقيم هذا التمحور مع المصالح الروسية في المنطقة.



6- يعتبر النمو الاقتصادي الهندي والذي يسعى لتقليد الإمبراطور الصيني واستثمار الانفجار السكاني الهندي والبعد القاري لشبه القارة الهندية مع الموقع المميز بين الشرق والغرب يعتبر هذا البعد أهم ما يحاول الإمبراطور الهندي أن يعتمد عليه لنموه العالمي.



7- إن من أهم الأسباب التي سوف تقود الإمبراطور الهندي لدخول ساحة الصراع الدولي بعد محاولة الاستقطاب الإمبراطوري العالمي له يتمثل في الحاجة للنفط والغاز لتدوير الاقتصاد الناشيء والمتسع حيث تعتبر ساحة آسيا الوسطى وما فيها من احتياطيات الغاز والبترول أحد أهم ساحات الصراع مع ما يمكن أن يلعبه الإمبراطور الهندي في أي صراع عالمي على موارد النفط في جزيرة العرب.



8- للإمبراطور الهندي أسبابه الداخلية وعلاقاته الدولية التي تجعله أقرب إلى التأني والامتناع عن دخول ساحات الحروب الدولية عل ذلك يوفر طاقاته لمراحل أخرى ويقوم هو بدور المتفرج والمنتظر لاحتراق الإمبراطوريات القائمة.



9- للإمبراطور الهندوسي أسبابه التاريخية والعقدية الداخلية التي تجعله متخوفا كغيره من الإمبراطوريات من النمو الإسلامي العالمي خاصة مع وجود حرب إسلامية مشتعله ضده في كشمير ومع وجود كتلة إسلامية لا يستهان بها في داخله.



10- تتيح الأقليات الهندية المهاجرة للإمبراطور الهندي التمدد في التأثير العالمي وفرض المطالب لحماية حقوق تلك الأقليات ومن بين أهم المناطق المرشحة لهذا التأثير دول الخليج وبالذات دولة الإمارات العربية المتحدة.







سادسا : الإمبراطور الفارسي







منذ أن وطئ الخميني أرض فارس منتصرا على الشاه عام 1979م قادما من باريس ومنذ أن اشتعلت الثورة الثقافية في إيران الخمينية والتي تمثلت في إحياء المذهب الشيعي وتصديره للخارج ومنذ أن خاض الخميني حربه المقدسة ضد العراق طوال ثمانينيات القرن العشرين تلك التي أسست للعداء مع المحيط العربي والسني والتي جاءت مشاغلة واختبارا للإمبراطور الفارسي ومنعا لإيران من التدخل في المعركة الروسية الأفغانية طوال الثمانينيات فقد اتضح بأن الإمبراطورية الشيعية الفارسية مرشحة للعب أدوار تتجاوز الأدوار التي اضطلع بها شاه إيران في تاريخه، وقد سارت هذه الإمبراطورية على خطى من سبقها من الكتل الإقليمية الناهضة في المجال الاقتصادي ومحاولة التصنيع والتسلح والدخول في الملفات السياسية الإقليمية الساخنة واستثمار الموقع العالمي المميز على مضيق هرمز من جهة والحدود القارية من جهة أخرى.







الملامح الأساسية في استراتيجية الإمبراطور الفارسي:







1- أدرك الإمبراطور الفارسي أن فرصته سانحة للتعملق الإقليمي والدولي من خلال سقوط الاتحاد السوفييتي والفراغ العالمي الذي خلفه ذلك السقوط ولذلك بدأت بوادر هذا الحراك الإمبراطوري بعد وضوح هذه الحقيقة في العالم.



2- اعتمد الإمبراطور الفارسي على خليط عقائدي وعرقي يتكون من العصبية الفارسية والمذهبية الشيعية والتي لا تتيح لغير المنصهرين في هذه العصبية مجالا للعيش أو التنفس في إطار الإمبراطورية وهذا ما أثبتته الأيام في تعامل الإمبراطور مع سنة إيران وشيعة إيران العرب.



3- نأى الإمبراطور الفارسي بنفسه عن الحدود العقائدية والأحلام المشتركة لأهل السنة بالكامل منذ أن جدد الخميني مقولات الشيعة المعاصرين بما لا يدع مجالا للاتفاق أو الاقتراب من الكتلة السنية الكبرى في الأمة ومنذ أن وجدت التطبيقات الشيعية المعاصرة طريقها للتنفيذ سواء على مستوى دستور الدولة الإيرانية أو على مستوى العلاقة مع من أهم اقرب الناس للشيعة وهم المواطنون السنة من أهل إيران حيث كان القتل والمصادرة من نصيب قياداتهم التاريخية المعاصرة ومنذ أن دخل الخميني في حلف استراتيجي مذهبي مع حافظ أسد النصيري حيث صمت الخميني عن عشرات الألوف ممن قتلهم أسد في سوريا عام 1982م.



4- كان الإمبراطور الفارسي قد قام بتعبئة أطرافه الشيعية الدولية قبل ذلك من الكتل الشيعية المنتشرة في العالم خاصة حيث تتمتع تلك الكتل بثقل سكاني كما هو الحال في العراق ولبنان وباكستان وغيرها تمهيدا للتحول واستثمار تلك الكتل في مرحلة لاحقة وقد بلغ مستوى التعبئة والتحفيز لتلك الكتل مستوى سمح بمواجهة مسلحة كما هو الحال في العراق وفي اليمن.



5- اعتبر الإمبراطور الفارسي حدوده الجغرافية مرتبطة بوجود الشيعة على الأرض واعتبر حمايتهم مهمة مقدسة وقد ارتسمت خارطة الإمبراطور بما يعرف بالهلال الشيعي الذي يمتد من باكستان إلى لبنان مرورا بسوريا والتي على الرغم من عدم وجود فعلي للشيعة الاثنى عشرية فيها لكن الارتباط العقدي بكل أطياف الشيعة سمح بتحالف استراتيجي بين الاثنى عشرية والنصيرية الحاكمة في سوريا.



6- في محاولته لعدم إثارة الأغلبية السنية من المسلمين وللوصول إلى لعب دور المرجعية الإسلامية العالمية حاول المشروع الفارسي الشيعي أن يتماهى مع الحراك السياسي والجهادي للمسلمين عبر عدة محاور كان من أهمها الاستظلال بالقضية الفلسطينية ونصرة المسجد الأقصى والدخول في صناعة الأجندة السياسية والفكرية في العالم الإسلامي واستخدم لذلك وسائل عدة كان من أهمها استخدام الساحات العربية والإسلامية التي له نوع من وجود وهيمنة عليها كسوريا ولبنان كما استخدم مظلة حوار المذاهب الإسلامية وغيرها.



7- لعب الإمبراطور على وتر التناقضات الدولية والإقليمية وانكسار النظام الدولي سعيا لتأكيد حضوره وأحقيته في لعب دور المرجعية الشّــرَطية في منطقة الشرق الأوسط لذا تجده في صراع أرمينيا ضد أذربيجان وتجده في صراع أفغانستان منذ اشتعال الجهاد الأفغاني ضد السوفييت وفي الملف الكردي التركي وفي الملف العراقي بطبيعة الحال وفي ملف الصراع العربي الإسرائيلي وغيرها من الملفات.



8- اعتبر الإمبراطور الفارسي منطقة الشرق الأوسط منطقة الفضاء الحيوي لإيران وعليه فلا بد لأي لاعب إقليمي أو دولي أن يتعامل مع هذا الإمبراطور قبولا أو رفضا والإمبراطور الفارسي مستفيد في كلا الحالتين ومستعد للتفاعل مع كلا الموقفين حوارا وتفاهما وتقاسما للنفوذ أو صراعا محتدما.



9- ومنذ أن تمكنت الهند وبعدها باكستان من عبور سقف السلاح النووي وإيران تسعى جاهدة للحاق بنادي القنبلة النووية باعتبار هذا اللحاق هو الشرط الأساسي لكي يلعب الإمبراطور الفارسي دوره الإقليمي والعالمي وأن أي تراجع عن هذا السقف سيجعل الإمبراطور مهدد من كل الجهات كما حدث في الحرب العراقية الإيرانية طوال ثمانينيات القرن العشرين والتي لم يتمكن الإمبراطور الفارسي من حسمها مع استمرارها لعقد من الزمان.



10-اعتمد الإمبراطور الفارسي على موقعه الاستراتيجي العالمي فيما يخص متاخمته لأهم حقول النفط والغاز في العالم لكي يلعب بورقته العالمية خاصة موقع مضيق هرمز والذي تخرج منه 20% من إمدادات النفط العالمية يوميا.







سابعا : الإمبراطور الإسلامي







منذ أن تبلورت الاجتهادات الإسلامية المعاصرة وشقت طريقها في واقع الأمة الإسلامية ما بين اجتهاد دعوي أو اجتهاد سياسي أو اجتهاد جهادي بغية معالجة الخلل والانكسار الذي ترتب على سقوط الخلافة الإسلامية عام 1924م على يد أتاتورك أو الذئب الأغبر كما طاب للغرب أن يسميه منذ ذلك الحين والأمة الإسلامية تتفاعل مع تلك الاجتهادات ما بين أغلبية صامتة ترقب وتتأثر وما بين نسبة مستجيبة ومتفاعلة وما بين نسبة رافضة ومتشائمة ومهما اختلف الناس والمراقبون حول تقويمهم لتفاعل المسلمين واقترابهم أو بعدهم من الاجتهادات الإسلامية المعاصرة لكن أحدا لن ينكر أن أمة الإسلام وبعد انقضاء ربع قرنها الخامس عشر الهجري والحافل بالأحداث والحراك لن تكون هي نفسها أمة القرن الرابع عشر الهجري الذي شهد سقوط الخلافة الإسلامية وشهد سقوط المسجد الأقصى وشهد التشظي العرقي والقومي والوطني وشهد تنامي ملفات الانتهاكات ضد المسلمين وتكدسها في جمعية الأمم المتحدة. ولعل تشابه وتناغم الحراك الدعوي والسياسي والجهادي الذي يعم المسلمين في كل بقاعهم مهما اختلفت المواقع خير دليل على وجود روح الإمبراطور الإسلامي ووحدة الدوافع التي تحرك المسلمين لاستعادة مواقعهم تحت الشمس، ثم يأتي تخوف جميع الأباطرة في العالم من النمو الإسلامي العالمي ليؤكد هذه الحقيقة.







الملامح الأساسية في استراتيجية الإمبراطور الإسلامي:







1- يأتي الشعور بالضياع لدى أمة الإمبراطور الإسلامي واليقين بأن المفقود الحقيقي في أوساط المسلمين إنما يتمثل في عدم وجود القيادة الرشيدة والمرجعية التي تليق بأمة كأمة الإسلام ويأتي هذا الشعور لكي يكرس النهوض الإسلامي المعاصر ويصهر الاجتهادات ويقربها من بعضها في الرؤى ومن ثم في التطبيق.



2- كما يأتي الاستطراق التربوي والفكري في المسلمين كأرضية مشتركة بين شعوب المسلمين ذلك الاستطراق الذي نتج عن مجمل الممارسات والتجارب الدعوية المعاصرة والمتمثلة في الجماعات والمدارس الإسلامية والإضافات العلمية مما يؤشر إلى أن ذلك الاستطراق والتماثل سيدفع بدوره ويضغط باتجاه نقلات أخرى في الاجتهاد والتطبيق تسمح بتفاعل قطاعات أوسع من الأمة مع قضاياها ومصيرها بدليل التماثل في الرؤى والمعالجة في القضايا السياسية في المغرب والأردن وباكستان كأمثلة متشابهة والقضايا الجهادية في فلسطين والعراق والصومال وغيرها، والمؤشر الأساسي هنا هو تمسك القائمين على تلك القضايا بثوابت الأمة وعدم انجرارهم لكل محاولات المكر وحرف مسيرتهم.



3- إن دخول المسلمين المعاصر في تجربة ألوان الطيف التغييري الذي يهدف إلى الاستظلال بالإسلام كعقيدة وتطبيق ليثري تجارب المسلمين المعاصرة في زوايا الأرض سواء في المجال السياسي أو المجال الجهادي ولذا رأينا أثر تلك التجارب في إذكاء روح التنافس وخوض الغمار فهذه أفغانستان المعاصرة وخلفها باكستان قد ألهمتها تجاربها الماضية لعقدين من الزمان أن تخوض حربا ضد الناتو العملاق العسكري الأول في الأرض كيف لا وقد جربت من قبل خوض الحرب ضد وارسو وكسبت الرهان.



4- إن ما ينتظم المسلمين كأمة من روح وفكر جمْعي والتقاء هذه الأمة على مفردات عقدية محددة قد ساهم في صياغة أفراد وكتل الأمة لكي تبقى مشدودة بحبل واحد والاعتصام به كما أمرهم ربهم عز وجل ويزداد الموقف مهابة وأملا كلما مس بقية الأباطرة شيئا من تلك المفردات العقدية للمسلمين وهذا ما شهده العالم في أمر الحجاب وأمر المس بالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم وأمر المس بالمسجد الأقصى مما يرشح المسلمين لثورة عالمية في سبيل حفاظهم على ثوابتهم أن تمس أو تهان.



5- لم تتمكن أمة من الأمم ولا إمبراطور من الأباطرة الآخرين أن يحقق ما حققه الإمبراطور الإسلامي المعاصر من نظم مفردات عولمة فكرية ورمزية بين شعوبه وأن يعبر بهذه الرمزية قارات العالم مع العلم بأنه لا يملك أمره ولم ترفع رايات تمكينه بعد.



6- لقد قاربت النظم السياسية الحاكمة في بلاد المسلمين مستوى من الهشاشة والتذبذب واستنفاذ الفرص حدا لم تقاربه في تاريخها منذ رفع راياتها وزراء خارجية بريطانيا وفرنسا وأمريكا في منتصف القرن العشرين سواء تم ذلك التذبذب على أيدي الطامحين للتغيير في الأمة كما حصل في السودان وأفغانستان وفلسطين بنجاح حماس السياسي بعد أن نجحت جهاديا أو تم ذلك بأيدي الأمريكان كما حصل في العراق مما يؤشر بقرب التحول والتغيير الكبير.



7- تعتبر فلسطين صاعق ثورة المسلمين المعاصرة وأهم ملمح في استراتجية الإمبراطور الإسلامي ومع تعنت الصليبيين الجدد الذين حرصوا على سلب فلسطين مجددا من المسلمين وتسليمها لليهود في منتصف القرن العشرين فإن الصراع حول فلسطين سيبقى المحرك الاساسي لاستكمال أشواط نهضة المسلمين المعاصرة ووقود مراحل التغيير إلى نهايتها.



8- كشف سقوط بغداد عام 2003م زيف أحلام التنمية والاستقرار الوردية التي تسوقها النظم السياسية في أوساط المسلمين وباتت كل الشعوب المسلمة متخوفة من المستقبل القريب واالبعيد مما أدى إلى انهدام حاجز الخوف والأمل الزائف في آن واحد حول أجندة النظم السياسية وهيأ المسلمين للتغيرات والتبدلات.



9- أثبت واقع بقية الأباطرة بأنه لا مكان آمن للمسلمين بينهم على شتى بقاع الأرض مما يدفع المسلمين للعمل الجاد على استرجاع مظلتهم الآمنة وامبراطورهم الكريم.



10- رغم محاولات إحياء التقسيم العرقي والقومي في واقع المسلمين فإن إدراك المسلمين للرابطة العقائدية التي تجمعهم كأمة مسلمة سنية قد نما إلى الحد الذي لم يعد فيه التقسيم القديم يجدي رغم محاولات إحياء ذلك التقسيم في أكثر من مكان كنموذج كردستان العراق حيث بات يرفضه أهل كردستان أنفسهم لكن غلبة العلمانيين تبرز الموقف على غير حقيقته وكذا نموذج الصراع التركي الكردي في تركيا والصراع البربري العربي في شمال إفريقيا وغيرها.



11- كما يأتي استعصاء المسلمين ومقاومتهم لمحاولات التغيير العقائدية والتأثير الغربي ذلك الذي يقوده النصارى الغربيون كمعلم اساسي على قوة معدن المسلمين وقوة عقيدتهم أمام ذلك الاستهداف الكاسح فيما عرف بالعولمة ونظامها الدولي.



12- يعتبر التجديد العلمي والعقدي وإعادة شحن الذاكرة الإسلامية لشعوب العالم الإسلامي بمفردات دينهم وتاريخهم من أهم التحولات التي شهدتها البنية التحتية لمشروع الإمبراطور الإسلامي في العصر الحديث والتي بدورها ستفتح ابواب التحولات والتغيير على مصاريعها خاصة في الأجيال المستجدة من شعوب العالم الإسلامي.



13- يعتبر النمو السكاني والفتوة التي تتمتع بها شعوب العالم الإسلامي مقارنة ببقية الإمبراطوريات من أكبر معطيات وأسس النهضة والتحولات الكبرى في مستقبل الإمبراطور الإسلامي.



14- ستبقى الثروات الاقتصادية وخاصة ثروة النفط والغاز في باطن أراضي الإمبراطور الإسلامي وكذا المواقع الاستراتيجية لبلاد المسلمين إحدى محفزات الصراع والنمو والتقارب بين شعوب العالم الإسلامي لمواجهة المطامع لبقية الأباطرة في العالم.



15- تنبيء التعددية الشعوبية في المسلمين وكذا التعددية الفكرية والاجتهادية فيما يعرف بالجماعات الإسلامية بتعددية تكاملية تخدم نهضة الإمبراطور الإسلامي بشكل أكبر مما حصل في التاريخ يوم تنافست الشعوب وعلماء المسلمين على تثبيت المسيرة الإسلامية وحماية الأمة المسلمة عبر تداول الخلافة بين تلك الشعوب.







خامسا: مضيق هرمز نموذجا







منذ أن تناطحت الإمبراطورية الفارسية والإمبراطورية الرومية في أطراف جزيرة العرب إبان بعثة المصطفى صلى الله عليه وسلم ومنذ أن أجهزت الإمبراطورية الإسلامية الناهضة على الإمبراطوريتين المذكورتين في وقت واحد منذ ذلك الحين ومضيق هرمز يعتبر مفتاح من مفاتيح جزيرة العرب الأربعة تلك التي تتكون من مضيق باب المندب ومضيق قناة السويس لاحقا ومنبعي نهري دجلة والفرات وأخيرا مضيق هرمز رابعا حيث لا تزال الإمبراطوريات تتناطح على هذه المفاتيح خاصة مضيق هرمز الذي زاد من أهميته كونه مفتاح بترول العالم ومزوده بطاقته الحيوية ومجددا الغاز.



وقد شهد المضيق بعد ذلك تنافس القوى الأوروبية المتطلعة للسيطرة العالمية من القراصنة الهولنديين والبرتغاليين ثم الفرنسيين والبريطانيين ولم يتمكن هؤلاء من وضع المضيق تحت السيطرة إلا بعد سقوط الخلافة العثمانية التركية وتضعضعها وصولا إلى اقتسام الجزيرة العربية بين الإمبراطورية البريطانية والأمريكية للجزيرة ثم وراثة أمريكا لما كان يسمى ببريطانيا العظمى في المنطقة فكيف سيعمل الأباطرة الجدد على تقاسم النفوذ في المنطقة؟ وهل سيتم ذلك التقاسم سلما أم حربا؟ وهل سيقبل مضيق هرمز القسمة على الشركاء المتشاكسين خصوصا بعد الفراغ الذي خلفه سقوط الاتحاد السوفييتي وبعد ظهور اباطرة جدد يهددون ما كان مستقرا ومعترفا به من هيمنة الولايات المتحدة على هذا المضيق والتي جعلت شريطه الضيق مياها دولية لا يحق للمطلين عليه أن يأخذوا أية أتاوات على المارين به كما هو حال المضائق الأخرى وبلغ من أهميته أن الدوريات البحرية التي تمخر عبابه ليست دوريات عادية بل يتم ذلك بواسطة حاملات الطائرات التي تسير بالوقود النووي!!







ملامح سيناريوهات التدافع حول مضيق هرمز:







1- أول ملمح لا تخطئه العين في وضع المضيق العالمي أن جزءا ليس بالهين من مصالح الأمم في الشرق والغرب قد بات مرتبطا بهذا المضيق وأن الحفاظ على تلك المصالح إنما يتم عبر التوازن وتسليم الصغار بهيمنة الكبار وبما أن الكبار قد تخلخل توازنهم منذ سقوط الاتحاد السوفيتي ومنذ نمو قوى جديدة قد استحوذت على ما كان مقتصرا على الكبار وهو السلاح النووي كالهند وباكستان ومنذ أن زاد الطلب على النفط والغاز ومنذ أن قامت الولايات المتحدة بالضربات الاستباقية والتواجد العسكري على تخوم الصين وروسيا فمن الواضح أن قواعد اللعبة القديمة قد تغيرت ولا بد أن يسعى المتحكم في مضيق هرمز لمغالبة بقية الفرقاء قبل أن يسعى للتفاهم معهم، ولذا وجدنا الجميع من الصغار والكبار يتفاعلون مع هذا القانون البشري في التدافع.



2- عادة ما يسعى الأباطرة إلى حفظ مناطق النفوذ حتى لا يقترب منها الآخرون بل والسعي إلى توسيع تلك المناطق ويدخل في هذا الإطار الاستعداد للذهاب إلى آخر الشوط في تطبيق هذا القانون عند قيام المنافسون الجدد بمحاولة تغيير المستقر من مناطق النفوذ ولذا رأينا العالم يدخل في الحرب العالمية الثانية نتيجة لبروز القوة الألمانية والقوة اليابانية اللتان أرادتا تجاوز مناطق النفوذ لبقية الأباطرة وعندها تشتتت الخرائط على الأرض وبات التوازن الإمبراطوري مهدد في كل مكان وتغيرت على ضوئه الأحلاف الدولية واشتعلت الحرب لكي تخط بعد وضع أوزارها حدود النفوذ الإمبراطوري بعد أن عجزت الدبلوماسية عن خطها ورسمها.



3- لا قيمة للاقتصاد عند احمرار الأجواء أمام لغة التهديد باستخدام القوة ولا يمكن للاقتصاد مهما تعملق وبلغ المليارات أن يوقف مسلسل التردي نحو الحروب بل العكس هو الصحيح فغالبا ما تسعى الإمبراطوريات بوضع اقتصادياتها في خدمة أهدافها الإمبراطورية كما فعلت أمريكا في حرب العراق فما بالكم باقتصاد الآخرين؟ فهو ومن باب اولى لا يساوي ذرة في ميدان التناطح الإمبراطوري وعليه فلا ينبغي لأهل الخليج أن يعتمدوا على أهمية مواقعهم الاقتصادية لتجنب الانزلاقات الدولية وإعادة تشكيل حدود النفوذ فقد رأت الدنيا بأسرها كيف احترقت الكويت وآبارها عام 1991م في ظل المغامرات والألعاب الإمبراطورية.



4- عادة ما يحرق الأباطرة الجدد سفنهم وهم في طريق التعملق الدولي فتمتنع عليهم طرق العودة إلى مواقعهم الأولى خاصة بعد ما يعاينون بعضا من عسل النفوذ والهيمنة الاقليمية والدولية وحينئذ لا يرضون بأقل من أخذ مكانهم الذي يرونه طبيعيا وحقا مكتسبا لا ينبغي للآخرين أن يناقشوهم حوله ويزيد الموقف تعقيدا تخوف الاباطرة الجدد من مخاطر طرق العودة وما قد ينالهم من المهانة وتعدي الآخرين على حقوقهم في حال قرروا التنازل والعودة وعدم وجود الضمانات الكافية للاعتراف بنفوذهم تحت أقدام بقية الاباطرة الكبار وهو الذي تعانيه إيران الآن وإلا فإن العروض التي قدمتها أوروبا لإيران وأقنعت أمريكا بها تحتوي من المغريات لإيران الشيء الكثير في منطقة الشرق الأوسط ومن يدري فلعل النصارى قد باعوا أهل الخليج في سوق النخاسة الإمبراطوري خاصة وقد أغلق أهل الخليج عليهم أقفاصهم ينتظرون العدل والإنصاف من أصحاب العيون الزرق كما يفعل العرب المحدثون دائما.



5- تعتبر الولايات المتحدة أهم لاعب إمبراطوري في العالم وفي المنطقة ومع الثقة والرؤية الاستراتيجية التي يتمتع بها هذا الإمبراطور ومع وضع أسس استراتجيته على الأرض قبل الآخرين فيما يسميه بالحروب الاستباقية ومع الأوراق الكثيرة التي يمتلكها لكنه يخضع لقانون حضارات سادت ثم بادت ومن مأمنه يؤتى الحذر كما قالت العرب فقد تورط الإمبراطور بحرب أفغانستان والعراق التي وضعته تحت أضراس التنازع العقدي وكشفت حقيقة قدراته النفسية قبل المادية و فرضت عليه تلك الحرب من جهة أخرى مسيرة محددة لا فكاك منها وهو كمن جاء يصطاد فاصطاده الآخرون، وأهم ما في هذا التطور أمران الأول عدم قدرة الولايات المتحدة على تغيير الاستراتيجية التي رسمتها وبدأت في تنفيذها وهي استراتيجية الحرب لذا رأينا تقرير بيكر هاميلتون في واد والتنفيذ الاستراتيجي على الأرض في واد آخر والأمر الثاني أن تورط أمريكا قد أغرى الآخرين بها فليس الكريم على القنا بمحرم كما قال عنترة ولذا رأينا القيصر الروسي قد تجرأ مؤخرا وبدأ في عرض خدماته ورؤيته في المنطقة وهو الذي إلى وقت قريب قد أغلق عليه بوابات الكرملن فلا يغادرها إلا لماما.



6- لم يعد أمر الإمبراطور الفارسي الناشيء أمرا فارسيا بحتا ولا يخضع لأحلام التاريخ الفارسي الشيعي فقط بل تداخلت لعبة الاباطرة العالميين وباتت الحاجة ماسة لبقية الأباطرة الكبار كروسيا والصين واللاعبين الآخرين كالهند وباكستان أن تمضي اللعبة الإيرانية الأمريكية إلى نهايتها وآخر أشواطها ولئن تشتعل الحدود البعيدة عن الأباطرة أفضل بكثير من اشتعال الحدود القريبة، ومن جهة أخرى فإن بقية الاباطرة لا يمكن أن يقروا لأمريكا بالهيمنة بمجرد استعراض العضلات ووبمجرد سقوط صواريخ كروز على بيوت الطين الأفغاني ونخيل العراق اليابسة تلك الصواريخ التي انطلقت من مضيق هرمز وما حوله ولا بد من إثبات تلك القدرة بمنازلة حقيقية في ميادين الحروب وحينها إما أن تنتصر أمريكا فيسلموا لها الزمام وإما أن تنهزم فيلحقوها بألمانيا واليابان ويتفرغوا لإعادة تقسيم العالم بينهم مجددا.



7- لم يمارس بقية الأباطرة دورهم التوازني في الأرض ووقفوا متفرجين عندما بدأت أمريكا في تجاوز الحدود القديمة لنفوذها استثمارا لحادث 11 سبتمبر وقامت بضرب أفغانستان وطمعت لاحقا في العراق سواء تم ذلك التقاعس الإمبراطوري خوفا أو تربصا أو طمعا في توريط الإمبراطور الأمريكي لكنهم جميعا يجنون الآن نتائج ذلك التقاعس وهم مرشحون للسقوط تباعا في المستنقع الأمريكي شاءوا أم أبوا كما سقط الناتو أو الإمبراطور الأوروبي في أفغانستان وأول المرشحين للسقوط التالي في مستنقع الحرب هو الإمبراطور الفارسي الناشيء الذي غض الطرف عن احتراق جيرانه بل ساعد عليه باعتراف قادته الكبار عندما قالوا: لولا إيران لما تمكنت أمريكا من غزو افغانستان والعراق!!



8- إن تسوية الحسابات العقائدية على أبواب مضيق هرمز هي اللعبة الأثيرة لجميع الأباطرة فالقياصرة الروس أوالأرثوذوكس الجدد يريدون للنصارى الغربيين سقوطا وفشلا عالميا ذريعا يخفف شيئا من سقوط دولتهم روسيا والعكس صحيح حيث يرغب النصارى الغربيون أن ينجحوا في محاصرة روسيا في حدودها الشرقية مثلما يرغبون في محاصرة الإمبراطور الشيوعي الصيني الذي أصبح عملاقا مخيفا بقدراته الاقتصادية ومن جهة أخرى فالإمبراطور الهندوسي يتهيأ لاقتناص أحسن الفرص للخروج من حدود المحيط الهندي إلى حدود جديدة من النفوذ الدولي وهو مستعد للذهاب في كل الاتجاهات كما يتهيأ لتغيير قواعد المنافسة مع الإمبراطور الباكستاني عدوه اللدود، والإمبراطور الفارسي الناشيء يحاول استثمار التحولات الدولية لكي يتموضع في نادي العمالقة الكبار وهو مستعد للعب بكل الأوراق التي هيأتها له نهضته الحديثة.



9- أما الذين تقطعت بهم السبل من أتباع الإمبراطور الإسلامي فهم يحاولون تكرار دروس الماضي في النهضة من خلال إنعاش أحلام أمتهم ومن خلال الاستمرار في خطة الاستعصاء والمقاومة هنا وهناك سواء بالاستجابة لقواعد لعبة الخصوم من ديموقراطية ومسايسة أو من خلال إعادة التعبئة العقدية في الداخل أو من خلال عصابات أبي جندل وأبي بصير رضي الله عنهما وبالرغم من ضعف تلك العصابات فهم يحققون على الأرض وبأساليبهم الخاصة نجاحا بعد نجاح فعلى مسافات متقاربة من مضيق هرمز يقبع مقاوموا أفغانستان وقريبا منهم مقاوموا كشمير وبين الاثنين تشتعل معركة الاستعصاء العقدي والسياسي في باكستان وليس بعيدا عنهم مقاموا العراق المحدثين والذين أماطوا اللثام عن حقيقة الإمبراطور الأمريكي الفزاعة ( وهي الدمية التي تخيف الغربان في الحقول) وفي فلسطين يتعامل المجاهدون مع حصان طروادة الذي أدخله النصارى الغربيون بعد دخولهم القدس وسيطرتهم عليها في بداية القرن العشرين تحقيقا لنبوءات اليهود وتماهيا دينيا بروتستانتيا معهم فكشف بذلك أهل فلسطين عن الحقيقة الخشبية للحصان، وللمراقبين بعد ذلك وأصحاب الخيال أن يتصوروا ماذا سوف يفعل اشتعال مضيق هرمز وكيف سيوفر ذلك الاشتعال مساحات الحراك لأتباع الإمبراطور الإسلامي رضي بقية الاباطرة أم أبوا.



10- لم يعد في ظل الصراع العقائدي المحتدم أي مجال لاحترام أجندات التواصل والتفاهم الدولي بين الأباطرة فضلا عن التفاهم الإنساني أو البحث عن القواسم المشتركة كما تدعي جمعية الأمم المتحدة إحدى مخلفات الحرب الباردة أو العالم المتحضر كما يسمى الغرب نفسه فالذي كانت تنقده أمريكا في قتل الصرب لمسلمي البوسنة وكوسوفا نفذته هي في العراق وأفغانستان بامتياز، وما كانت إيران تدعيه من البكاء على فلسطين وقتل اليهود لأهلها سمحت به تجاه أفغانستان والعراق عندما تعاونت مع أمريكا ونفذه شيعة العراق في المهاجرين الفلسطينيين وفي سنة العراق، وما كانت تدعيه أمريكا من تهديد الإرهابيين المسلمين - كما تسميهم- لأمن العالم إذا بها أول من ينقض ذلك الأمن والاستقرار، وما كانت أوروبا تتشدق به من المطالبة بالديموقراطية في العالم الثالث إذا بها أول من نكث بوعده عندما فازت جبهة الإنقاذ بانتخابات الجزائر وعندما فازت حماس بانتخابات فلسطين وهكذا فالقائمة طويلة.



11- فإذا كان هذا هو حال الاباطرة من الانكشاف والاصطفاف فما بالنا بالصغار - حجما لا قدرا- فهم بالضرورة واقعون في الأتون كما وقعوا من قبل في تمثيلية حرب العراق والكويت مهما تفنن البعض عفا الله عنا وعنهم في إخراج الفتاوى المنجرفة وراء التيار لا المستقلة بعلمها ومواقفها فهذه حروب عمية بتشديد الياء كما وصفها الأوائل وهي الفتن بعينها لكن المضطرين يحشرون على نياتهم كما ورد في الصحيح نسأل الله الكريم حسن الختام، ولا أدري لماذا يعرض بعض الناس إعراضا تاما عن معطيات الدين ومستلزماته أثناء مضيهم في مد الولاءات والاستظلال بمظلات الكفار فلما يأتي وقت أكل الحصرم ومعاينة التبعات الجسام إذا بهم يبحثون في الدين ما يبرر لهم نتائج ما وصلوا إليه من بلاء وفتنة بل والتعمق فيها؟



12- لا يتشاطر الأباطرة المتغلبون أبدا التخوفات والحسابات مع الآخرين خاصة مع الأقزام فالأباطرة قد شغلتهم سكرة التفوق الديني والمادي والعنصري على بقية الأمم من أن يضيعوا أوقاتهم في الاستماع إلى شكاوى الآخرين وتخوفاتهم بل إن الاباطرة المتغلبون ليذهبون ابعد من ذلك عندما يقدموا على استثمار ظروف الصراع والتزلزل البشري لكي يوسعوا من مساحات نفوذهم وبث عقائدهم وهذا القانون هو الذي قاد الاتحاد السوفييتي الشيوعي إلى حتفه إبان تدخله في أفغانستان وهو نفس القانون الذي يحكم امريكا وحلفاءها من النصارى الآن في رؤيتها لواقع ومستقبل المنطقة لذا وجدنا أمريكا لم تغفل وهي المنشغلة بالحروب عن فك عقد الجزيرة العربية كما تدعي والتي تتمثل في تدين أهل الجزيرة وإصرارهم على مرتكزات عقيدتهم ولذا فهي تسعى لتغيير هذا الواقع عبر ضخ برامج الإفساد والتأثير المنظم والمستمر سواء تم ذلك عبر التعليم والتحكم فيه أوعبر برامج تحرير المرأة من دينها وحجابها أوعبر الإعلام المنحل وسوف تشهد جنبات الجزيرة العربية خلال الفترة القادمة توسيعا أكبر وفرضا أضخم لتلك البرامج خاصة مع التلويح للأنظمة السياسية بالسقوط في حال عدم تجاوبها مع تلك البرامج.



13- ومن أخطر ملامح السيناريوهات التي تنتظر مضيق هرمز في ظل التنافس الإمبراطوري هو قيام بعض الأباطرة وذلك حسب التطورات الميدانية بفرض الوجود العسكري المباشر والكامل والدائم لحماية المكتسبات في هذا المضيق مما سيرجع المنطقة إلى المربع الأول الذي كانت تشغله بريطانيا في المنطقة قبل ما يقارب أربعة عقود أو يزيد وما سوف يترتب على ذلك الوجود من معطيات وحقائق سوف تغير وجه المنطقة. تم إنجاز البحث بتاريخ 15/2/2007



(انتهى)